[SIZE="6"]تقييم اعتبار مسائل الجنسية
من أعمال السيادة في القضاء الكويتي (1-2)[/SIZE]
[SIZE="5"]بقلم المحامية دانة فهد الدعيج
وبإشراف د. أحمد السندان[/SIZE]
من أعمال السيادة في القضاء الكويتي (1-2)[/SIZE]
[SIZE="5"]بقلم المحامية دانة فهد الدعيج
وبإشراف د. أحمد السندان[/SIZE]
[SIZE="4"]جريدة الجريدة 7/6/2009[/SIZE]
[SIZE="5"]إن الجنسية هي رابطة قانونية وسياسية واجتماعية تربط الفرد بالدولة، فيعتبر الفرد بموجبها مواطنا للدولة، ويترتب على هذه الرابطة العديد من الحقوق والالتزامات للمواطن وعليه. وتعتبر الجنسية من الأمور الهامة جدا للفرد الذي يستوطن دولة معينة، فبعد صدور القوانين المنظمة للجنسية أصبح من اللازم والضروري أن يتمتع كل فرد بجنسية بلد معين فالجنسية تمثل هوية هذا الفرد وانتمائه إلى بلده ومن غيرها يكون بلا وطن وبلا هوية.
وقد نظم المشرع الكويتي قانون الجنسية الكويتية بالمرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 ليحدد من خلاله من يعتبر كويتيا أصليا وطرق اكتساب الجنسية الكويتية بالتجنس وغيرها، وبين الاشتراطات اللازمة للجنسية الكويتية الأصلية والمكتسبة.
والسؤال هنا: ما مدى صحة اعتبار مسائل الجنسية من أعمال السيادة؟ وما مدى إمكان الطعن بدستورية قانون إنشاء المحكمة الإدارية الذي يحرم الأفراد من إمكان اللجوء إلى القضاء في مسائل الجنسية؟
ستتم الإجابة عن هذين السؤالين في مبحثين على الوجه الآتي:
المبحث الأول: مدى صحة اعتبار مسائل الجنسية من أعمال السيادة.
المبحث الثاني: مدى إمكانية الطعن بدستورية قانون إنشاء المحكمة الإدارية الذي يخرج مسائل الجنسية من اختصاص المحكمة.
أولا: ماهية أعمال السيادة وخصائصها:
ظهرت العديد من التعريفات الفقهية والتعريفات القضائية لأعمال السيادة، فجعلها البعض ما يكون مقترنا بالعمل السياسي للسلطة التنفيذية فعرّفوها بأنها أعمال سياسية تصدر عن السلطة التنفيذية، وقرنها البعض الآخر بالسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية فتكون الأعمال الصادرة بناء على السلطة التقديرية للسلطة التنفيذية، والبعض الآخر عجز عن تعريف تلك الأعمال فقال، إنها الأعمال التي يقرر لها القضاء صفة أعمال السيادة بحيث ترك للقضاء مهمة تحديد تلك الأعمال.
وقد اتفقت جميع التعريفات على اثر اعتبار بعض الأعمال من أعمال السيادة وهو عدم خضوع تلك الأعمال للرقابة القضائية.
تعريف المشرّع الكويتي لأعمال السيادة:
اعتنق المشرع الكويتي نظرية أعمال السيادة في المرسوم الأميري رقم 19 لسنة 1959 بقانون تنظيم القضاء، إذ نصت المادة الثانية منه على أنه 'ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة ...' وتكرر هذا النص بعد ذلك عند صدور قانون تنظيم القضاء الحالي بالمرسوم رقم 23 لسنة 1990 في المادة الثانية منه كذلك. وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمرسوم رقم 19 لسنة 1959 تعليقا على نص المادة الثانية أنه 'يخرج من ولاية المحكمة جميع أعمال السيادة وهي الأعمال التي تقوم بها الحكومة مدفوعة باعتبارات تتعلق بالسياسة العليا للدولة، كإعلان الأحكام العرفية والإجراءات التي تتخذ للدفاع عن سلامة البلاد، أما الأوامر الإدارية التي لا تتعلق بأعمال السيادة، فهذه تنظر المحاكم المنازعات التي تقوم بشأنها ...'
تعريف القضاء الكويتي لأعمال السيادة:
بالرجوع إلى الأحكام الصادرة من محكمة التمييز الكويتية نجد أنها قد عرفت أعمال السيادة بأنها 'الأعمال المتصلة بالسياسة العليا للدولة وما تتخذه الحكومة من إجراءات بما لها من سلطة عليا للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل والخارج وما يصدر عنها من أعمال باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة '.
ثانيا: تفسير القضاء الإداري الكويتي لأعمال السيادة:
استقر القضاء الإداري في الكويت على وضع الحدود اللازمة لأعمال السيادة فاستقر على المبادئ التالية:
1- ان أعمال السيادة هي الأعمال والإجراءات العليا التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة.
2- ان معيار التفرقة بين الأعمال الإدارية وبين أعمال السيادة مرده إلى القضاء الذي ترك له المشرع سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه.
3- ثمة عناصر تميز أعمال السيادة أهمها تلك الصبغة السياسية، فهي تصدر عن السلطة التنفيذية في نطاق وظيفتها السياسية فيكون لها سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة كلها واتخاذ ما ترى فيه مصلحة الوطن وأمنه وسلامته دون تعقيب من القضاء.
ويبقى السؤال: هل تعتبر مسائل الجنسية من أعمال السيادة؟
• لم يتطرق قانون الجنسية الكويتية أو أي قانون آخر إلى اعتبار مسائل الجنسية من أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة القضاء.
• إلا أن قانون إنشاء الدائرة الإدارية في المادة الأولى منه بيَّن اختصاصات تلك المحكمة ومنها الطلبات التي يقدمها الأفراد والهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، ثم ذكر، عدا القرارات الصادرة بشأن مسائل الجنسية.
فهل المقصود من هذا الاستثناء اعتبار مسائل الجنسية من أعمال السيادة؟
في رأيي، إن القرارات الصادرة في مسائل الجنسية تختلف عن أعمال السيادة لعدة أسباب أذكرها على النحو التالي: أولا: ان القرارات الصادرة في مسائل الجنسية هي قرارات بطبيعتها إدارية صادرة عن السلطة التنفيذية وتمس حقوق الأفراد وتؤثر فيهم بالدرجة الأولى فيجب أن تخضع من حيث الأصل لرقابة القاضي الإداري.
إلا أن القانون الإداري الكويتي قد استثناها من اختصاصات المحكمة الإدارية فهي بذلك تصبح قرارات إدارية محصنة وليست أعمال سيادة، وإن كانت النتيجة في النهاية هي تحصين العمل من الرقابة القضائية.
ولو كان المشرع يعتبرها من أعمال السيادة لما احتاج إلى النص عليها على النحو الوارد من المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية، اكتفاء بنص المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء أو على الأقل يضرب بها مثلا في ذات المادة. وما يؤكد ذلك هو أن الدعوى المرفوعة أمام القاضي الإداري بمسألة من مسائل الجنسية يقضى بها بعدم اختصاص المحكمة وليس بعدم جواز نظر الدعوى، بما يدل على أن مسائل الجنسية ليست من أعمال السيادة لكنها لا يمكن نظرها بالمحكمة المختصة بها (المحكمة الإدارية) بسبب منع تشريعي.
ثانيا: إن المادة الأولى من قانون إنشاء الدائرة الإدارية الفقرة الخامسة لم تأتِ حصرا في مسائل الجنسية فقط بل انه ذكر أيضا إقامة وإبعاد الأجانب وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة، وعليه فإن النص قد وضع تلك القرارات معا لتأخذ نفس الحكم ولا خلاف على أن القرارات الصادرة في تراخيص إصدار الصحف والمجلات أو القرارات الصادرة في دور العبادة لا تعتبر من أعمال السيادة، فإن وضع مسائل الجنسية مع هذه المجموعة من القرارات يؤكد أنها ليست من أعمال السيادة.
ثالثا: أيضا لا يصح اعتبار مسائل الجنسية من أعمال السيادة، فالقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية في هذا الشأن لا تكون من الأعمال التي تقوم بها الحكومة مدفوعة باعتبارات تتعلق بالسياسة العليا للدولة. وهذا لا يمنع من القول، إن للدولة الحق في الرقابة على من سيكون عنصر الشعب لديها ورفض من تراه غير نافع أو ضارا لها، فمن الطبيعي أن يُعتَرف للدولة بحق تنظيم جنسيتها وفقا لمصالحها العليا وظروفها الاجتماعية وأحوالها الاقتصادية والسياسية فلها دون غيرها حق تعيين شروط اكتساب جنسيتها وفقدها ووضع القواعد المنظمة لأحكامها، ولكن لا يجوز التعسف في هذا الشأن، فمن غير المقبول أن تمنع القرارات الصادرة في مسائل الجنسية من النظر فيها أمام القضاء، وأكثر من ذلك فقد اعتبر القضاء الكويتي كل مسألة تتعلق بالجنسية تعتبر أعمالا سيادية وهذه مبالغة وتطرف لا يُقبَلان، أوقعا ضررا بليغا على العديد من الأشخاص.
فهناك أمور إجرائية لا يمكن تحصينها مثل تسليم شهادة الجنسية أو تصحيح الأخطاء المادية في أسماء من حصلوا على الجنسية وغيرها وكذلك من غير المقبول إصدار قرارات في سحب أو إسقاط جنسية وما يترتب عليها من آثار خطيرة، دون أن يكون ذلك خاضعا لرقابة القضاء.
ثم انه في ظل عدم وجود تعريف جامع مانع لأعمال السيادة وعدم النص عليها على سبيل الحصر وما ترتب عليه من ترك المشرّع للقضاء سلطة تحديد ما يعتبر من أعمال السيادة من عدمه، فإن ذلك قد يؤدي إلى التناقض في تحديد تلك الأعمال، إذا ما اعتبرت محكمة التمييز بعض المسائل أعمالا سيادية في وقت معين في ظل ظروف معينة صدر فيها الحكم ثم تغيّرت تلك الظروف واختلف الأمر، وبالتالي تراجعت المحكمة عن اعتبار تلك المسائل من أعمال السيادة مما يؤدي إلى التعارض في الأحكام.
الحل المقترح في تخفيف المشاكل الحاصلة من اعتبار كل مسائل الجنسية من أعمال السيادة:
من الأفضل كي تتم الموازنة بين مصلحة الدولة ومصلحة الأفراد أن يتم تنظيم مسائل الجنسية على النحو الآتي:
أولا: أن يضع المشرّع الشروط اللازم توافرها للحصول على الجنسية الكويتية بما يحقق مصلحة الدولة ويمكنها من اختيار عنصر الشعب لديها.
ثانيا: أن يتم تقسيم مسائل الجنسية إلى قسمين قسم يمكن اعتباره من أعمال السيادة لا يجوز نظره أمام المحاكم وأن يحدد القانون تلك المسائل على سبيل الحصر مثال ذلك القرار الصادر بمنح الجنسية أو رفض منح الجنسية، أما القسم الثاني فيكون كل القرارات الصادرة في مسائل الجنسية عدا القرارات السابق حصرها بحيث يفتح المجال أمام هذه القرارات للطعن عليها أمام المحاكم مثال ذلك مسائل إثبات الجنسية أو طلب تسلّم شهادة الجنسية أو سحبها أو إسقاطها. ونستكمل الاسبوع المقبل نشر المبحث الثاني من هذه الدراسة.[/SIZE]
[SIZE="5"]http://www.aljarida.com/aljarida/Article.aspx?id=114863[/SIZE]