من طرف خالد حمود ناصر العنزي الخميس يونيو 18, 2009 1:01 amالبدون وأحلام المليون
د.محمود حاجي حسين
عاد الحديث عن القصة الأكثر تعقيداً، البدون او (غير محددي الجنسية)، مواكبةً لانتخابات مجلس الأمة الجديد. والحقيقة ان معظمنا في الكويت يعيش اليوم بطريقة أو بأخرى هذه الظاهرة، محاولاً إيجاد حل لها، ولم تتوقف محاولات الحكومة في الحل، كما لم تستسلم مبادرات الأفراد، وهناك كثير من الكويتيين اصحاب القرار، والرأي، والأقلام الإعلامية يجتهدون في ايجاد الحلول.
في الواقع، المحاولات الكويتية لم توفر جهداً في ايجاد حلول لهذه المشكلة، لأنه بكل بساطة لا يوجد محب للوطن لا يشعر بحافز المساهمة في ذلك الأمر.
قد يتساءل البعض لماذا اسميتها «مشكلة» والحقيقة انها ظاهرة تفاقمت بسبب سلوك ومصالح خاصة. وهنا تخرج الريعية بمظهر السبب من جديد والتي يوافقني كثيرون على انها «خطر مريع» لا بل ومرفداً لوابل الأزمات التي انهالت علينا من بعيد وقريب.
واذا سلمنا جدلاً ان الريعية المفرطة محفز للأزمات السياسية والاجتماعية، فإنها تعتبر تربة خصبة لنمو ظاهرة البدون وتفاقمها. فمنذ ثلاثة عقود كانت مشكلة البدون موجودة بتواضع، وحق المواطنة «المحظور» كان سبباً في معاناة كثيرين، وما لبثت المشكلة ان تحولت الى ظاهرة عندما ارتفع الرقم وازداد العدد من دون مبرر، مما جعل السؤال مشروع عن كيفية تضخم هذه المشكلة الى ظاهرة يصعب حلها.
وما يزيد تفاقم الأزمة المطالبات غير المبررة لبعض رعاة مبدأ التوزيع العشوائي للثروة، ورفع درجة الرخاء غير المنطقي واللاواقعي. هذا الارتفاع في حدة الوردية في الأحلام يدفع البعض -من غير محددي الجنسية- الى الاصرار والتعنت في عدم تعديل أوضاعهم والرجوع إلى الوضع الواقعي الذي استهلوا به حياتهم في الكويت، عله يعود العدد الى طبيعته ومشروعيته.
وقد ساهم هذا الإصرار في معاناة أصحاب الحقوق والاستحقاق الى تزاحم الناس عند اعتاب حقوقهم فاغلقوه!
وإذا غصنا في غور الأسباب المستعصية للحل، يتوجب أن نرى الأمر بشفافية مع بعض الوجدان والوطنية، فان قراءة بسيطة للأرقام - سمة علم الاقتصاد- مع قليل من رواسب ذكريات الإعدادية حول الجمع والطرح، يمكنها ان تعكس حياة المواطن الكويتي والاستحقاقات المتوجبة عليه منذ نعومة اظفاره وحتى بلوغ سن المسؤولية، وتحوله الى رب أسرة، وفي ما يلي ترجمتها بلغة الدولار:
يحق للمواطن الحصول على راتبه من خلال وظيفة أو رعاية حكومية عبر قوانين (المساعدة الاجتماعية) بناءً على دخل وحسبة بسيطة من لحظة حصوله على الجنسية وحتى العشرين سنة القادمة. اذاً هناك دخل مضمون من الدولة 1500 دولار شهرياً على اقل تقدير، وبيت النازل ما معناه 18000 دولار سنوياً، والحاصل 360 ألف دولار كإجمالي دخل (ممنوح وليس أجر مقابل عمل لمن لايستطيع العمل).
كما يحق للمواطن السكن ( دون حسبة سكن المتزوجين) والذي بأقل تقدير قرض بدون فوائد بتقسيط منخفض، 70 ألف دينار بما معناه 200 ألف دولار تقريبا (من دون الرجوع الى تسعيرة التحويل). ناهيك عن مميزات التعليم والصحة والكثير من الريعية والدلال. بمجرد استعراضنا لاستحقاقين اصبحنـا على ابواب 760 ألف دولار، وقد نتجاوز المليون دولار لو بذلت جهدا أضافيا في الحسبة كاملةً، من دون ان ننسى أننا ندرس حالة فرد واحد من الأسرة بلغ الثامنة عشرة.
هذا من دون اغفال فرسان الريعية الذين يطالبون برفع القروض الإسكانية والمعونات الاجتماعية وإقرار الكادر الوظيفي حتى المراسل، وتكبر الأحلام وتزداد الوردية....
والواقع انه لو علم الكثير من أهل السامبا والتانغو بهذا الواقع، لجاءوا على أول طائرة ومركب، ودخلوا بالظاهرة وشاركوا بالحلم، فمدن الصفيح حرمتهم الحلم بحفنة من الدولارات. بينما ضخمت الريعية المفرطة المشكلة الى «الظاهرة» وزهّرت الأحلام وظلمت كثيرين من أصحاب الاستحقاق وزادت غيرهم إصراراً على «بدونيتهم» .
في صباح كل يوم جديد نصحو وننادي في حل «المشكلة-الظاهرة»، وفي الليل نزيد الإغراءات ونوقد الأحلام الوردية، لعل ماسبق ذكره يعكس معاناة كثيرين ممن لهم أقرباء بقوا من دون قصد وإنما عشقاً لتراب الكويت.
باحث اقتصادي ومحلل أداء
http://www.awan.com.kw/pages/economy/206455
